Logo
Published on

ماذا يقع في السودان؟ و ما هو دور الإمارات و القوى الإقليمية؟

Authors
السودان في قلب الصراع العالمي

جرائم ميليشيات الدعم السريع: ذراع إماراتية–صهيوني في القلب الإفريقي العربي

منذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، تزايدت التقارير عن جرائم ضد الإنسانية ترتكبها ميليشيات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). هذه الجرائم لا تقتصر على القتل والتهجير، بل تمتد إلى الاستيلاء الممنهج على مناجم الذهب في دارفور والبحر الأحمر وكردفان.

ما يثير الريبة هو الدعم اللوجستي والسياسي الذي تتلقاه هذه الميليشيات من الإمارات، التي تستثمر بشكل مباشر في قطاع التعدين السوداني عبر شركات وهمية. وثائق مسربة كشفت عن تحويلات مالية ضخمة من أبوظبي إلى حسابات مرتبطة بحميدتي، بالإضافة إلى تقارير استخباراتية تشير إلى تعاون لوجستي واستخباراتي مع الكيان الصهيوني، خاصة في مجال مراقبة الحدود والتنقيب عن المعادن.

كيف وصل السودان إلى هنا؟

الانهيار لم يأتِ من فراغ، منذ سقوط عمر البشير في 2019، دخل السودان مرحلة انتقالية هشّة، سرعان ما استغلها الجنرال عبد الفتاح البرهان للهيمنة على المؤسسة العسكرية، بينما صعد حميدتي من خلال قواته شبه النظامية ليصبح شريكاً لا غنى عنه – ثم خصماً له. لكن الصراع لم يكن يوماً على السلطة فحسب، بل على الذهب أيضا. فمنذ سنة 2018، أصبح السودان ثالث أكبر منتج للذهب في إفريقيا بعدما تجاوز إنتاجه 100 طن سنوياً، تحولت مناجم مثل "أرياب" و"الشلوق" و"جبل عامر" إلى أهداف استراتيجية.

الهدف الأعمق؟ تطويق مصر من الجنوب، فبسيطرة الإمارات وحلفائها على مناجم الذهب والحدود مع إثيوبيا، يخلق حزام نفوذ يُبعِد القاهرة عن مواجهة مباشرة مع أديس أبابا بشأن سد النهضة، ويُضعف دورها الإقليمي.

الدعم المصري: ثابت لكنه دون المستوى و مسيرات إيران و القاعدة الروسية

رغم أن مصر تُعلن دعمها الكامل للجيش السوداني بقيادة البرهان، وتُرسل مساعدات إنسانية وطبية، بل وتفتح مستشفياتها للمصابين، إلا أن هذا الدعم يظل أقل بكثير من الإمكانيات الفعلية للقاهرة. فمصر، كدولة إقليمية كبرى، تمتلك جيشاً من أضخم جيوش المنطقة، وقدرة لوجستية هائلة، ومع ذلك تمتنع عن التدخل العسكري المباشر أو حتى فرض حظر جوي على مناطق القتال.

السبب؟ حسابات معقدة. فمصر لا تريد أن تُورّط نفسها في حرب أهلية قد تستنزف مواردها، خاصة في ظل أزمتها الاقتصادية الحادة. كما أن التدخل المباشر قد يُغضب الإمارات، شريكتها في ملفات عديدة، أو يُعطي ذريعة لإسرائيل لتوسيع نفوذها في الفراغ الأمني. لذلك، يبقى الدعم المصري رمزيًا نسبيًا، يعكس التزامًا سياسيًا أكثر من كونه استراتيجية عسكرية فاعلة.

في المقابل، برز الدعم الإيراني كعامل جديد في المعادلة. فخلال الأشهر الماضية، وصلت إلى الجيش السوداني شحنات من الطائرات المُسيّرة الإيرانية من طراز "شاهد" و"موهاج"، والتي استُخدمت في استهداف مواقع قوات الدعم السريع، خصوصًا في محيط الخرطوم ومناطق غرب البلاد.

رغم أن هذه المسيرات شكّلت مفاجأة تكتيكية لقوات حميدتي غير المُعدّة لهذا النوع من الحرب، إلا أن تأثيرها الاستراتيجي لا يزال محدودًا. فالجيش السوداني يفتقر إلى البنية التحتية لتشغيل أسراب كبيرة من الطائرات المُسيرة، كما أن الإمدادات الإيرانية تأتي بكميات صغيرة، وغالبًا ما تُعترض أو تتأخر بسبب الضغوط الغربية على طرق الشحن.

ومع ذلك، فإن الوجود الإيراني – ولو رمزيًا – يُرسل رسالة واضحة: أن طهران لن تسمح بتحول السودان إلى حديقة خلفية للتحالف الإماراتي–الإسرائيلي دون رد.

أما التطور الأهم على الإطلاق، فهو الاتفاق الذي وقّعه البرهان مع روسيا لإنشاء قاعدة عسكرية بحرية في ميناء السودان. ورغم التأجيلات المتكررة بسبب الضغوط الأمريكية، فإن موسكو تصرّ على تنفيذ المشروع، الذي سيمنحها:

  • وجودًا دائمًا على البحر الأحمر، لأول مرة منذ الحقبة السوفيتية.
  • نفوذًا مباشرًا على أحد أهم الممرات الملاحية في العالم.
  • ورقة ضغط استراتيجية ضد الغرب، خصوصًا في ظل الحرب الأوكرانية. القاعدة، التي من المقرر أن تستوعب حتى 300 جندي روسي وسفن حربية، ستُغيّر موازين القوى في المنطقة. ورغم أن الاتفاق لا ينص على استخدام القاعدة في العمليات القتالية الداخلية، إلا أن مجرد وجودها يمنح البرهان غطاءً دوليًا، ويُعقّد أي محاولة خارجية للإطاحة به.

ومن المتوقع أن تُسرّع روسيا من وتيرة تنفيذ المشروع خلال 2026، خاصة إذا استمرت الحرب في أوكرانيا وازدادت حاجتها لمنصات بديلة خارج نطاق العقوبات الغربية.

السعودية: بين الحياد المعلن والمصالح الخفية

رغم تصريحات الرياض عن "الحياد" ودعم الحل السياسي، فإن مواقفها العملية تكشف عن توازن دقيق. فالسعودية، من ناحية، لا تريد أن ترى الإمارات تهيمن وحدها على السودان، خصوصاً مع اقتراب "رؤية 2030" من مراحلها الحاسمة، والتي تتطلب استقراراً في الجوار الجنوبي.

ومن ناحية أخرى، تسعى الرياض لضمان ألا يتحول السودان إلى منصة لإيران أو روسيا تهدد ممرات الملاحة أو توازن القوى في البحر الأحمر. لذا، تدعم السعودية جهود الوساطة، لكنها في الوقت نفسه تفتح قنوات اتصال مع الطرفين، سعياً لضمان نصيب من الكعكة الذهبية – أو على الأقل، منع خصومها من ابتلاعها كاملة.

الخلاصة: الذهب ليس مجرد معدن

الاقتصادات العالمية ذاهبة نحو الإفلاس و العملات الورقية نحو الانهيار، و الأنظمة ستزداد توحشا للحصول على الذهب في العالم، فالذهب السوداني لم يعد مورداً اقتصادياً فحسب، بل عملة جيوسياسية تُشترى بها التحالفات، وتُبنى بها القواعد، وتُشنّ من أجلها الحروب. والسودان، في قلب هذا الإعصار، يدفع ثمن كونه جسراً بين إفريقيا والعالم العربي، وكنزاً تحت ترابه. وفي ظل هذا الصراع، يبقى السؤال الأصعب:

هل سينجو السودان من تقسيم ذهبه قبل إنقاذ شعبه؟