- Published on
طريق تحضير الخبز المطحون بالورق في المغرب
- Authors
 - Name
- رضى الكابوني
- @reda_lgaboni
 
 

مقادير الخبز المطحون بالورق
أولاً، سيدي، سيدتي، لصنع هذا النوع ستحتاج إلى:
- قمح لين مستورد من أوكرانيا، مدعم ب 16 مليار درهم سنوياً، في وقت يُهمَش فيه المخطط الفلاحي الوطني الذي كان من المفروض أن يُحقق الاكتفاء الذاتي من الحبوب.
- دولة تغيب فيها أدنى آليات المراقبة و المحاسبة لمطاحن المغرب بسبب انتشار فساد واسع داخلها.
- ورق أو كرتون مستورد، غالباً ما يكون مدعماً بدوره من أموال عمومية، يُضاف إلى الدقيق لزيادة الكمية وتقليل التكلفة، دون أدنى اعتبار لصحة المستهلك.
- مطحنة صاحبها بلا ضمير إنساني، حثالة من أحقر ما أنجبت بطون الأمهات، لا يهمه سوى الربح حتى لو كان على حساب صحة المواطنين.
- وأخيراً... شعب يتابع مباريات كرة القدم، ينتظر بفارغ الصبر كأس افريقيا وينسى أن رغيف الخبز الذي يُقدَّم لأبنائه مكن من دقيق مطحون بالكرطون.
اخلط كل هذه المكونات في فرن لا يُراقبه أحد، واتركه يسخن تحت شمس الإفلات من العقاب، لتحصل في النهاية على "خبز" يُباع بدرهم، لكن ثمنه الحقيقي هو صحة المغاربة و ثروات المغرب المنهوبة.
من سرب الخبر؟ ولماذا الآن؟
فجر أحمد التويزي، رئيس فريق حزب الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، مفاجأة خلال مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2026، حين قال بصوتٍ لا يخلو من الغضب:
"أنا أعرف ما يحدث، هناك من يطحن الورق، لذلك يجب أن تكون هناك إجراأت ردعية. عليكم أن تروا الدقيق المدعم الذي يكلف 16 مليار درهم، ففي بعض المناطق هو غير قابل للاستهلاك." التصريح، رغم حدّته، لم يُطالب بفتح تحقيق فوري أو محاسبة المتورطين، بل ربطه التويزي مباشرةً بـ إلغاء دعم الدقيق، واقترح الاعتماد على السجل الاجتماعي الموحّد كآلية بديلة لتوجيه الدعم النقدي مباشرةً إلى المستحقين.
أليس من الأجدر إصلاح المطاحن، وتعزيز الرقابة، ومحاسبة المفسدين، بدلاً من معاقبة الشعب بحرمانه من خبز مدعّم نظيف؟ فإذا كان الدقيق المدعم "غير قابل للاستهلاك" في بعض المناطق، فالمشكلة ليست في الدعم نفسه، بل في من يُدار به. وإلغاؤه دون معالجة جذور الفساد لن يحل الأزمة، بل سيُعمّقها، خصوصاً في ظل ارتفاع الأسعار وتفاقم الفقر.
النفي المباشر من فيديرالية مطاحن المغرب
سرعان ما جاء الرد من قلب المنظومة المُستهدَفة. فقد صرّح عبد القادر العلوي، رئيس الفيدرالية الوطنية للمطاحن، نافياً جملة وتفصيلاً الاتهامات التي أطلقها البرلماني أحمد التويزي، واصفاً إياها بـ"العارية من الصحة ولا تستند إلى أي دلائل ملموسة".
وفي تصريحٍ نشرته هسبريس، طالب العلوي التويزي بتقديم أدلة موثوقة تدعم اتهاماته، مُشدّداً على أن مثل هذه التصريحات، إن لم تكن مبنية على وقائع قانونية، فإنها "تضر بسمعة القطاع وتشوّه صورة مهنيين يعملون في ظروف صعبة لضمان تزويد السوق الوطني بالدقيق المدعم".
وأضاف رئيس الفيدرالية أن هيئته مستعدة لتكون طرفاً فاعلاً في أي تحقيق قانوني يُفتح حول الموضوع. غير أن هذا النفي، رغم حِدّته، يطرح تساؤلاتٍ مشروعة: إذا كان القطاع نظيفاً فعلاً، فلماذا تتكرر شكاوى المواطنين من خبز ذي لون أو رائحة غريبة، أو شكل يُفزع الناظرين في عدة مدن؟ وإذا كانت الفيدرالية واثقة من سلامة منتوجها، فلماذا لا تدعو إلى شفافية كاملة في سلسلة التوريد، من استيراد القمح إلى توزيع الدقيق؟
خاتمة: الخبز ليس سلعة... بل حق
الخبز في الثقافة المغربية ليس مجرد طعام، بل رمز للعيش الكريم، وعلامة على كرامة الإنسان و التلاعب به ليس جريمة اقتصادية فحسب، بل خيانة وطنية. شاءت الأقدار أن تكون في بلد الفوسفاط مطاحن تطحن الورق مع الدقيق، فكنا نطالب بخيرات بلادنا من فوسفاط و ذهب و فضة و سمك، حتى صرنا اليوم نريد فقط خبزا لا يحتوي على الكرطون. إنها حقا مآساة شعب!
